مراتبُ الحبّ وأحوالُ العشاق- بينَ أم كلثوم وصديقتي المجنونة
المؤلف: ريهام زامكه11.07.2025

يُروى أن مدارج العشق تبدأ بالهوى، وهو أول وخزة للقلب وميلانه نحو المحبوب. ثم تأتي العلاقة، وهي التصاق الحب بالروح وجعله رفيقًا دائمًا. بعدها يحل الكلف، حيث يستحوذ الحب على الفؤاد ويشغل جوانحه. ويتسامى العشق ليصبح أسمى وأنقى درجات الغرام، يتبعه الشغف الذي يتملك القلب ويستبد به. ثم يأتي الجوى، وهو الهوى الدفين المتغلغل في أعماق النفس. بعد ذلك، يصل العاشق إلى مرحلة التيم، حيث يصبح الحب سيدًا مطاعًا، والمتيم عبدًا ذليلًا. أما التبل، فهو سقم الحب الذي ينهك الجسد ويضني الروح. ليصل المحب أخيرًا إلى الوله، وهو ذهاب العقل وفقدان الرشد من فرط الشوق والغرام، ثم الهيام، وهو أن يهيم المحب على وجهه تائهًا، كالمجنون الذي لا يعرف له مستقرًا.
وخلاصة القول في كل هذه الأحوال التي يمر بها العشاق، قد اختزلتها كوكب الشرق أم كلثوم في بيت واحد عندما صدح صوتها قائلة:
(أهل الحب صحيح مساكين)، ويا لها من حقيقة مُرة!
لقد أدهشتني هذه المراحل، فبادرت بمشاركتها مع صديقاتي، وسألتهن مازحة: (من منكن عاشقة فلترفع يدها؟). فرفعت بعضهن أيديهن، كل واحدة حسب تجربتها ومقامها العاطفي والعقلي. إلا واحدة، كنت أعلم علم اليقين أنها متيمة حتى النخاع، لكنها آثرت الصمت والاستماع، بينما كانت قسمات وجهها تنبئ بعاصفة هوجاء تعصف بقلبها. فخطر ببالي: يا إلهي، يبدو أن هناك سحبًا داكنة تلبد الأجواء!
وبعد هنيهة، انطلق حوار شيق بيننا، نحن معشر العاشقات، حول العلاقات والغرام، تتخلله لحظات من المد والجزر. وعندما اشتد النقاش، قررت صديقتنا الصامتة أن تفصح عن مكنونات قلبها، فقصت علينا مأساتها مع من تحب، وكيف أنها تجاوزت جميع تلك المراحل المذكورة، لتصل في نهاية المطاف إلى طريق مسدود!
فلم تعد قادرة على العودة إلى الوراء، ولا هي بقادرة على المضي قدمًا.
وأرى أن هذه هي أسوأ محطة يمكن أن يبلغها أي عاشق.
في الواقع، أنا لا أستطيع فهم تلك العلاقات المعقدة، ولكني أتفهم تمامًا جبروت الحب اللعين وسيطرته الطاغية، عندما يستولي على كل خلية في العقل ويلغيها تمامًا، ليجعل المحب أسيرًا لوهم خادع، متمسكًا بخيط رفيع من الأمل الزائف ليواسي به قلبه الجريح. وأتفهم كيف يصيب الحب العاشق بالشلل، حركيًا وفكريًا على حد سواء، وأتفهم كيف يفقد المرء صوابه واتزانه لمجرد شعوره بالغيرة أو الخوف وانعدام الأمان في علاقته العاطفية.
إن كيمياء الحب لغز محير حقًا، لا يحل طلاسمه إلا قلب لا يؤمن بمنطق أو حدود أو عقلانية. فالحب له قدسية فريدة، ومعنى الحب الحقيقي هو أن يمنحك الله شخصًا تشعر بأنه يكملك ويزينك ويحتويك ويحبك، ويشعرك بالأمان والسعادة ومعنى الحياة، وأن يصونك في حضوره وغيابه، لأنك دائمًا في قلبه.
لن أسهب في الحديث أكثر من ذلك، فعلى الرغم من أن الحب شيء عظيم، إلا أنني لا أطيق الدراما بكل أشكالها. فبقية تفاصيل الحكاية لا تهمكم ولا تهمني في شيء، جل ما يشغلني هو حال العشاق التعساء، وحال صديقتي المريضة وما تبقى لها من عقلها.
خاصة بعدما تدخلت أم كلثوم العظيمة في الموضوع، وقاطعت أحاديثنا وكأنها جاءت لتصلح الأمر فزادته سوءًا، فصوتها كان يملأ المكان وهي تردد بإصرار: (كان لك معايا أجمل حكاية في العمر كله...)، فلم أتمالك نفسي إلا أن قلت: يا له من صوت عظيم على صوت عظيم يا ست! ثم أعدتها مرة أخرى بصوت خفيض خشية ردة فعل صديقتي الثائرة، فقد رمتني بنظرة حادة، ولمحت بجانبها مزهرية خالية حتى من وردة بلاستيكية.
وعلى أية حال؛ قولوا الحق يا أحبائي:
في أي مرتبة من مراتب الحب أنتم الآن؟ أما أنا، فجالسة ومستقرة على عرش سريري، اللهم لك الحمد والفضل.
وخلاصة القول في كل هذه الأحوال التي يمر بها العشاق، قد اختزلتها كوكب الشرق أم كلثوم في بيت واحد عندما صدح صوتها قائلة:
(أهل الحب صحيح مساكين)، ويا لها من حقيقة مُرة!
لقد أدهشتني هذه المراحل، فبادرت بمشاركتها مع صديقاتي، وسألتهن مازحة: (من منكن عاشقة فلترفع يدها؟). فرفعت بعضهن أيديهن، كل واحدة حسب تجربتها ومقامها العاطفي والعقلي. إلا واحدة، كنت أعلم علم اليقين أنها متيمة حتى النخاع، لكنها آثرت الصمت والاستماع، بينما كانت قسمات وجهها تنبئ بعاصفة هوجاء تعصف بقلبها. فخطر ببالي: يا إلهي، يبدو أن هناك سحبًا داكنة تلبد الأجواء!
وبعد هنيهة، انطلق حوار شيق بيننا، نحن معشر العاشقات، حول العلاقات والغرام، تتخلله لحظات من المد والجزر. وعندما اشتد النقاش، قررت صديقتنا الصامتة أن تفصح عن مكنونات قلبها، فقصت علينا مأساتها مع من تحب، وكيف أنها تجاوزت جميع تلك المراحل المذكورة، لتصل في نهاية المطاف إلى طريق مسدود!
فلم تعد قادرة على العودة إلى الوراء، ولا هي بقادرة على المضي قدمًا.
وأرى أن هذه هي أسوأ محطة يمكن أن يبلغها أي عاشق.
في الواقع، أنا لا أستطيع فهم تلك العلاقات المعقدة، ولكني أتفهم تمامًا جبروت الحب اللعين وسيطرته الطاغية، عندما يستولي على كل خلية في العقل ويلغيها تمامًا، ليجعل المحب أسيرًا لوهم خادع، متمسكًا بخيط رفيع من الأمل الزائف ليواسي به قلبه الجريح. وأتفهم كيف يصيب الحب العاشق بالشلل، حركيًا وفكريًا على حد سواء، وأتفهم كيف يفقد المرء صوابه واتزانه لمجرد شعوره بالغيرة أو الخوف وانعدام الأمان في علاقته العاطفية.
إن كيمياء الحب لغز محير حقًا، لا يحل طلاسمه إلا قلب لا يؤمن بمنطق أو حدود أو عقلانية. فالحب له قدسية فريدة، ومعنى الحب الحقيقي هو أن يمنحك الله شخصًا تشعر بأنه يكملك ويزينك ويحتويك ويحبك، ويشعرك بالأمان والسعادة ومعنى الحياة، وأن يصونك في حضوره وغيابه، لأنك دائمًا في قلبه.
لن أسهب في الحديث أكثر من ذلك، فعلى الرغم من أن الحب شيء عظيم، إلا أنني لا أطيق الدراما بكل أشكالها. فبقية تفاصيل الحكاية لا تهمكم ولا تهمني في شيء، جل ما يشغلني هو حال العشاق التعساء، وحال صديقتي المريضة وما تبقى لها من عقلها.
خاصة بعدما تدخلت أم كلثوم العظيمة في الموضوع، وقاطعت أحاديثنا وكأنها جاءت لتصلح الأمر فزادته سوءًا، فصوتها كان يملأ المكان وهي تردد بإصرار: (كان لك معايا أجمل حكاية في العمر كله...)، فلم أتمالك نفسي إلا أن قلت: يا له من صوت عظيم على صوت عظيم يا ست! ثم أعدتها مرة أخرى بصوت خفيض خشية ردة فعل صديقتي الثائرة، فقد رمتني بنظرة حادة، ولمحت بجانبها مزهرية خالية حتى من وردة بلاستيكية.
وعلى أية حال؛ قولوا الحق يا أحبائي:
في أي مرتبة من مراتب الحب أنتم الآن؟ أما أنا، فجالسة ومستقرة على عرش سريري، اللهم لك الحمد والفضل.
